إسرائيل- أخطاء متكررة، وإصرار على عدم الفهم
المؤلف: محمد مفتي11.12.2025

ثمة مقولة شائعة تُنسب إلى موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، حول العرب عقب حرب 1967، مفادها أن العرب لا يقرأون. وهو يقصد، بطبيعة الحال، أن الهزائم التي يتجرعها العرب في حروبهم تعود إلى عجزهم عن استيعاب الأحداث الجارية وفهم الدروس التاريخية، وعجزهم عن إدراك الواقع والاستفادة من تجاربه. لكن، إذا جاز لنا دحض هذه المقولة بعد مرور عقود على تلك الحرب، فإننا نجزم ونؤكد أن قادة إسرائيل هم الذين لا يفهمون، بل هم الذين يصرون بإصرار على عدم الفهم، وهم بذلك يكررون أخطاءهم بحماقة بالغة وفرط جنون.
على الرغم من غياب إحصائيات دقيقة حول العمليات العسكرية الوحشية والمجازر الشنيعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق غزة والضفة الغربية ولبنان، فإن أعداد الضحايا تتجاوز عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى الأبرياء. لقد تسببت تلك العمليات في إفناء عائلات بأكملها لا ذنب لها ولا علاقة لها بالحرب، فضلاً عن تدمير البنى التحتية وتسويه البيوت بالأرض، وتحويل أغلب المباني في غزة إلى أنقاض. لقد ارتكبت إسرائيل تلك المذابح على أمل وأد المقاومة وتفكيكها، كما تزعم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستنجح إسرائيل في تحقيق هذا المبتغى؟
دعونا نتأمل سريعاً أبرز المحطات في هذا النهج الإبادي الذي انتهجته إسرائيل ضد العرب، ولا تزال تسلكه حتى اللحظة الراهنة، لنتبيّن ما إذا كانت قد تمكنت من تحقيق هدفها المنشود أم لا. الأحداث كثيرة التي قامت خلالها إسرائيل بإبادة رموز المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها في العام 1948 وحتى يومنا هذا. ففي عام 1973، نفذت إسرائيل عملية "فردان" النكراء، وقتلت خلالها ثلاثة من أبرز القادة الفلسطينيين آنذاك، وهم أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. وتوقعت إسرائيل – بل تمنت – أن يؤدي قتل هؤلاء القادة إلى إضعاف القضية الفلسطينية، حتى تتلاشى تدريجياً وتختفي تماماً، لكن هذا لم يحدث إطلاقاً، واستمرت المقاومة الفلسطينية الأبية في عنفوانها. وفي عام 1987، اندلعت انتفاضة الحجارة المباركة، والتي، على الرغم من ضعفها الظاهري، أقضت مضجع إسرائيل وحولت حياتهم إلى كابوس مزعج ومقلق. وعلى إثر ذلك، قامت إسرائيل باغتيال القيادي خليل الوزير، المعروف بأبو جهاد، لكن الانتفاضة لم تتأثر باغتياله واستمرت في تصاعد. وفي عام 1991، وسّعت إسرائيل رقعة الحرب، فقتلت أمين عام حزب الله، عباس الموسوي، معتقدة أنها وجهت ضربة قاصمة للحزب، لكن أنشطة الحزب المقاومة استمرت في ازدهار. ثم توالت بعدها سلسلة اغتيالات القادة الفلسطينيين، ولا يزال حلم تفكيك القضية ودفع العرب لنسيانها يراود إسرائيل في أحلامها اليقظة. فقامت باغتيال الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم الكثيرين من القادة الأبطال، وهو ما يصعب حصره في هذا المقال المحدود.
وخلال هذه العقود الطويلة، لم يتوقف نزيف الدم الفلسطيني، ولم تتفكك المقاومة، ولم تمت القضية الفلسطينية العادلة، وذلك لسبب بسيط للغاية لا تدركه إسرائيل – أو لعلها لا تريد أن تدركه – وهو أن القضية الفلسطينية لا ترتبط بقيادات مُعينة أو أشخاص بذواتهم، بل هي قضية شعب وأمة سُلبت أراضيهم وحقوقهم المشروعة. وبعيداً عن عملية 7 أكتوبر البطولية التي قامت بها حماس منذ عام تقريباً، من الملاحظ أن إسرائيل تركز بشكل كبير في غالبية تصريحاتها على أهمية القضاء على حماس وتفكيك التنظيم. ولنفترض جدلاً أنها قضت على جميع قادة حماس، فهل سيعني ذلك موت القضية الفلسطينية؟ من المؤكد أنه ستظهر فصائل أخرى فلسطينية باسلة بمسميات عديدة تسعى جاهدة لاستعادة الأراضي الفلسطينية المغتصبة، فالحق الفلسطيني هو مطلب إسلامي وعربي قبل أن يكون فلسطينياً. وأتمنى أن يجيب زعماء إسرائيل على سؤال بسيط جداً: هل تعتقدون أن القضية الفلسطينية قد انتهت أو قد تنتهي بعد حرب الإبادة التي تسببتم فيها؟ أعتقد أن الإجابة المؤكدة هي كلا بالقطع، فقادة إسرائيل مصرون على ألا يفهموا أن القضية لا تتعلق بقائد بعينه، ولذلك لا يعتمدون في حل القضية إلا بالإمعان في القتل وتوسيع حرب الإبادة، وهو النهج الذي يستحيل أن ينهي القضية.
لقد أدرك بعض زعماء إسرائيل، أمثال إسحق رابين ومناحم بيجين، أن استقرار إسرائيل يعتمد بصورة جوهرية على حل الدولتين، غير أن قادة إسرائيل حالياً يسيرون في عكس هذا الاتجاه تماماً، فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة للقضاء على أي أمل في حل الدولتين. غير أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية ليسوا خالدين في مناصبهم، وسيتركونها يوماً ما عاجلاً أم آجلاً. فإن أرادوا السلام لأبنائهم وأحفادهم، فلا طريق أمامهم سوى حل الدولتين، فإن لم يدركوا ذلك، ستظل إسرائيل تعيش فوق صفيح ساخن. كما أن على إسرائيل أن تدرك أن تحقيق حلمها المنشود بالسلام مع المملكة العربية السعودية لن يرى النور إلا بعد تطبيقها لحل الدولتين، فالكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، وهي وحدها من سيقرر هل ستحقق السلام أم ستظل مصرة على ألا تفهم.
على الرغم من غياب إحصائيات دقيقة حول العمليات العسكرية الوحشية والمجازر الشنيعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق غزة والضفة الغربية ولبنان، فإن أعداد الضحايا تتجاوز عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى الأبرياء. لقد تسببت تلك العمليات في إفناء عائلات بأكملها لا ذنب لها ولا علاقة لها بالحرب، فضلاً عن تدمير البنى التحتية وتسويه البيوت بالأرض، وتحويل أغلب المباني في غزة إلى أنقاض. لقد ارتكبت إسرائيل تلك المذابح على أمل وأد المقاومة وتفكيكها، كما تزعم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستنجح إسرائيل في تحقيق هذا المبتغى؟
دعونا نتأمل سريعاً أبرز المحطات في هذا النهج الإبادي الذي انتهجته إسرائيل ضد العرب، ولا تزال تسلكه حتى اللحظة الراهنة، لنتبيّن ما إذا كانت قد تمكنت من تحقيق هدفها المنشود أم لا. الأحداث كثيرة التي قامت خلالها إسرائيل بإبادة رموز المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها في العام 1948 وحتى يومنا هذا. ففي عام 1973، نفذت إسرائيل عملية "فردان" النكراء، وقتلت خلالها ثلاثة من أبرز القادة الفلسطينيين آنذاك، وهم أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. وتوقعت إسرائيل – بل تمنت – أن يؤدي قتل هؤلاء القادة إلى إضعاف القضية الفلسطينية، حتى تتلاشى تدريجياً وتختفي تماماً، لكن هذا لم يحدث إطلاقاً، واستمرت المقاومة الفلسطينية الأبية في عنفوانها. وفي عام 1987، اندلعت انتفاضة الحجارة المباركة، والتي، على الرغم من ضعفها الظاهري، أقضت مضجع إسرائيل وحولت حياتهم إلى كابوس مزعج ومقلق. وعلى إثر ذلك، قامت إسرائيل باغتيال القيادي خليل الوزير، المعروف بأبو جهاد، لكن الانتفاضة لم تتأثر باغتياله واستمرت في تصاعد. وفي عام 1991، وسّعت إسرائيل رقعة الحرب، فقتلت أمين عام حزب الله، عباس الموسوي، معتقدة أنها وجهت ضربة قاصمة للحزب، لكن أنشطة الحزب المقاومة استمرت في ازدهار. ثم توالت بعدها سلسلة اغتيالات القادة الفلسطينيين، ولا يزال حلم تفكيك القضية ودفع العرب لنسيانها يراود إسرائيل في أحلامها اليقظة. فقامت باغتيال الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم الكثيرين من القادة الأبطال، وهو ما يصعب حصره في هذا المقال المحدود.
وخلال هذه العقود الطويلة، لم يتوقف نزيف الدم الفلسطيني، ولم تتفكك المقاومة، ولم تمت القضية الفلسطينية العادلة، وذلك لسبب بسيط للغاية لا تدركه إسرائيل – أو لعلها لا تريد أن تدركه – وهو أن القضية الفلسطينية لا ترتبط بقيادات مُعينة أو أشخاص بذواتهم، بل هي قضية شعب وأمة سُلبت أراضيهم وحقوقهم المشروعة. وبعيداً عن عملية 7 أكتوبر البطولية التي قامت بها حماس منذ عام تقريباً، من الملاحظ أن إسرائيل تركز بشكل كبير في غالبية تصريحاتها على أهمية القضاء على حماس وتفكيك التنظيم. ولنفترض جدلاً أنها قضت على جميع قادة حماس، فهل سيعني ذلك موت القضية الفلسطينية؟ من المؤكد أنه ستظهر فصائل أخرى فلسطينية باسلة بمسميات عديدة تسعى جاهدة لاستعادة الأراضي الفلسطينية المغتصبة، فالحق الفلسطيني هو مطلب إسلامي وعربي قبل أن يكون فلسطينياً. وأتمنى أن يجيب زعماء إسرائيل على سؤال بسيط جداً: هل تعتقدون أن القضية الفلسطينية قد انتهت أو قد تنتهي بعد حرب الإبادة التي تسببتم فيها؟ أعتقد أن الإجابة المؤكدة هي كلا بالقطع، فقادة إسرائيل مصرون على ألا يفهموا أن القضية لا تتعلق بقائد بعينه، ولذلك لا يعتمدون في حل القضية إلا بالإمعان في القتل وتوسيع حرب الإبادة، وهو النهج الذي يستحيل أن ينهي القضية.
لقد أدرك بعض زعماء إسرائيل، أمثال إسحق رابين ومناحم بيجين، أن استقرار إسرائيل يعتمد بصورة جوهرية على حل الدولتين، غير أن قادة إسرائيل حالياً يسيرون في عكس هذا الاتجاه تماماً، فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة للقضاء على أي أمل في حل الدولتين. غير أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية ليسوا خالدين في مناصبهم، وسيتركونها يوماً ما عاجلاً أم آجلاً. فإن أرادوا السلام لأبنائهم وأحفادهم، فلا طريق أمامهم سوى حل الدولتين، فإن لم يدركوا ذلك، ستظل إسرائيل تعيش فوق صفيح ساخن. كما أن على إسرائيل أن تدرك أن تحقيق حلمها المنشود بالسلام مع المملكة العربية السعودية لن يرى النور إلا بعد تطبيقها لحل الدولتين، فالكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، وهي وحدها من سيقرر هل ستحقق السلام أم ستظل مصرة على ألا تفهم.
